وصايا وإرشادات نبوية كريمة للحفظ من الشيطان ومكره
لا بد للمؤمن من التيقن أن عداوة الشيطان للإنسان عداوة أزلية منذ آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، يقول تعالى في محكم كتابه : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) ( سورة فاطر – الآية 6 ) ، ولا بد للمؤمن العاقل أن يحذر ويعلم أنه مستهدف من قبل الشيطان وأتباعه ، فيحرص على التمسك بهدي رسول الله e للاعتصام من الشيطان ودسائسه ، وتلك بعض الوصايا النبوية القيمة لوقاية الإنسان وحفظه بإذن الله تعالى أوجزها بالآتي :
1)- لا تسافر إلا مع جماعة أقلها ثلاثة :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الواحد شيطان ، والاثنان شيطانان ، والثلاثة ركب ) ( صحيح الجامع 7144 ) 0
قال المناوي : ( يعني أن الانفراد والذهاب في الأرض على سبيل الوحدة من فعل الشيطان أي شيء يحمله عليه الشيطان وكذا الركبان وهو حث على اجتماع الرفقة في السفر ذكره ابن الأثير ) ( فيض القدير – 6 / 371 ) 0
وبالعموم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخلوة في غير السفر كما ثبت في أحاديث عدة 0
2)- لا تجلس بين الضح والظل :
عن رجل أن الرسول صلى الله عليه وسلم : ( نهى أن يجلس بين الضح والظل ، وقال : مجلس الشيطان ) ( السلسلة الصحيحة - 883 ) 0
قال ابن منظور : ( وفي الحديث : لا يقعدن أحدكم بين الضح والظل فإنه مقعد الشيطان أي نصفه في الشمس ونصفه في الظل - لسان العرب - 2 / 524 ) 0
قال المناوي : ( لأنه ظلم للبدن حيث فاضل بين أبعاضه وهذا من كمال محبة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام للعدل أن أمر به حتى في حق الإنسان مع نفسه قال ابن القيم وفيه تنبيه على منع النوم بينهما فإنه رديء ) ( فيض القدير - 6 / 342 ) 0
قال الدكتور عبدالرزاق الكيلاني : ( لا يستقيم أمر البدن إلا إذا سار على وتيرة واحدة في جميع أعضائه ، إما أن يشرق إحداها ويغرب الآخر ، فشتان بين مشرق ومغرب ، وإما أن يشد أحدها إلى اليمين والآخر إلى الشمال ، فماذا يحدث للبدن عندئذ ؟ في ضوء الشمس عدا الأشعة المرئية أشعة أخرى غير مرئية كثيرة ، منها الأشعة فوق البنفسجية ، التي تحمر الجلد وتبيغه ، ومنها الأشعة تحت الحمراء ، التي تسخن الأعضاء التي تقع عليها وتبعث فيها الدفء والحرارة ، فإذا حدث ذلك في جزء من البدن دون الجزء الآخر ، دونما حاجة إلى ذلك ، تشوش الدوران واضطربت وظائف الأعضاء 0
قد نلجأ إلى تسليط الأشعة تحت الحمراء على أماكن محددة من الجسم بقصد المعالجة ، كتسليطها على مكان مصاب بالرثية البردية : ( الروماتيزم الناشئ عن البرد ) أو على اللقوة البردية ، وقد نسلط الأشعة فوق البنفسجية على بقعة مصابة بالثعلبة أو بداء الصدف ، بقصد المعالجة ، أما بدون حاجة إليها ، فإنها تضر بدلا من أن تنفع ، كمن يتنـاول الدواء بدون إصابته بالداء ، وهكذا الجلوس بين الظل والشمس ، يجعل بعض الجسم تحت تأثير الأشعة المحمرة والملهبة ، وبعضه الآخر بعيدا عنها ، فيحدث ما لا تحمد عقباه ، درهم وقاية خير من قنطار علاج ) ( الحقائق الطبية في الإسلام – ص 160 ) 0
3)- اتق فتنة النساء :
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) ( صحيح الجامع 6690 ) 0
قال المناوي : ( " المرأة عورة " أي موصوفة بهذه الصفة ومن هذه صفته فحقه أن يستر والمعنى أنه يستقبح تبرزها وظهورها للرجل والعورة سوءة الإنسان وكل ما يستحى منه ؟ كني بها عن وجوب الاستتار في حقها قال ابن الكمال فلا حاجة إلى أن يقال هو خبر بمعنى الأمر في الصحاح والعورة كل خلل يتخوف منه وقال القاضي العورة كل ما يستحى من إظهاره وأصلها من العار وهو المذمة " فإذا خرجت " من خدرها " استشرفها الشيطان " يعني رفع البصر إليها ليغويها أو يغوي بها فيوقع إحداهما أو كلاهما في الفتنة أو المراد شيطان الإنس سماه به على التشبيه بمعنى أن أهل الفسق إذا رأوها بارزة طمحوا بأبصارهم نحوها والاستشراف فعلهم لكن أسند إلى الشيطان لما أشرب في قلوبهم من الفجور ففعلوا ما فعلوا بإغوائه وتسويله وكونه الباعث عليه ذكره القاضي وقال الطيبي هذا كله خارج عن المقصود والمعنى المتبادر أنها ما دامت في خدرها لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس فإذا خرجت طمع وأطمع لأنها حبائله وأعظم فخوخه وأصل الاستشراف وضع الكف فوق الحاجب ورفع الرأس للنظر ) ( فيض القدير – 6 / 266 ) 0
4)- إن كنت راكبا فاخلو بسيرك بالله وذكره :
عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من راكب يخلو في مسيره بالله وذكره ، إلا كان ردفه ملك ، ولا يخلو بشعر ونحوه ، إلا كان ردفه شيطان ) ( صحيح الجامع 5706 ) 0
قال ابن منظور : ( الردف : ما تبع الشيء 0 وكل شيء تبع شيئا ، فهو ردفه ، وإذا تتابع شيء خلف شيء فهو الترادف ، والجمع الردافى - لسان العرب - 9 / 114 ) 0
قال المناوي : ( " ما من راكب يخلو في مسيره بالله وذكره إلا ردفه ملك " أي ركب معه خلفه " ولا يخلو بشعر ونحوه " كحكايات مضحكة وبحث في علوم غير شرعية وغيبة ونميمة " إلا كان ردفه شيطان " لأن القلب الخالي من ذكر الله محل استقرار الشيطان 0 وجاء في بعض الأخبار أن قرآن الشيطان الشعر ومؤذنه المزمار والكلام في الشعر المذموم ) ( فيض القدير - 5 / 480 ) 0
5)- احرص على صلاة الجماعة :
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من ثلاثة في قرية ، ولا بدو ، لا تقام فيهم الصلاة ، إلا استحوذ عليهم الشيطان ، فعليكم بالجماعة ، فإنما يأكل الذئب القاصية ) ( صحيح الجامع 5701 ) 0
قال ابن منظور : ( واستحوذ عليه الشيطان واستحاذ أي غلب على قلوبهم ، واستولى عليهم وحواهم - لسان العرب - 3 / 487 ) 0
قال المناوي : ( " ما من ثلاثة في قرية ولا بلد لا تقام فيهم الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان " أي استولى عليهم وجرهم إليه " فعليكم بالجماعة " أي الزموها " فإنما يأكل الذئب " الشاة " القاصية " أي المنفردة عن القطيع فإن الشيطان مسلط على مفارق الجماعة 0 قال الطيبي : هذا من الخطاب العام الذي لا يختص بسامع دون آخر تفخيما للأمر ، شبه
من فارق الجماعة التي يد الله عليهم ثم هلاكه في أودية الضلال المؤدية إلى النار بسبب تسويل الشيطان بشلة منفردة عن القطيع بعيدة عن نظر الراعي ثم تسلط الذئب عليها وجعلها فريسة له ) ( فيض القدير – 5 / 476 ) 0
6)- احذر من الكلب الأسود البهيم فإنه شيطان :
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلب الأسود البهيم فقال شيطان
الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 2618
خلاصة حكم المحدث: صحيح
قال المناوي : ( " الكلب الأسود البهيم " أي الذي لاشية فيه كله أسود خالص شيطان سمي شيطانا لكونه أعقر الكلاب وأخبثها وأقلها نفعا وأكثرها نعاسا ومن ثم قال أحمد لا يحل الصيد به ولا يؤكل مصيده لأنه شيطان وقال الثلاثة لا فرق بين الأسود وغيره وليس المراد بالحديث إخراجه من جنس الكلاب لأنه إذا ولغ في الإناء يغسل كغيره ) ( فيض القدير - 5 / 64 ) 0
قال الشبلي : ( فإن الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن تتصور بصورته كثيرا وكذلك بصورة القط الأسود لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره وفيه قوة الحرارة 0 وقال القاضي أبو يعلى : فإن قيل : ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في الكلب الأسود : أنه شيطان ومعلوم أنه مولود من كلب ، وكذلك قوله في الإبل : إنها جن وهي مولودة من الإبل ؟ وأجاب إنما قال ذلك على طريق التشبيه لها بالجن لأن الكلب الأسود أشر الكلاب وأقلها نفعاً ، والإبل تشبه الجن في صعوبتها وصولتها ، وهذا كما يقال : فلان شيطان إذا كان صعباً شريراً والله تعالى أعلم ) ( أحكام الجان – الباب السابع – في بيان أن بعض الكلاب من الجن - ص 39 – 40 ) 0
7)- إذا تثاءبت فضع يدك على فيك :
عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه ، فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب ) ( صحيح الجامع 426 ) 0
قال المناوي : ( " إذا تثاءب " بهمزة بعد الألف قال القاضي وبالواو غلط : أي فتح فاه للتنفس لدفع البخار المخنق في عضلات الفك الناشئ عن نحو امتلاء " أحدكم فليضع " ندبا حال التثاؤب " يده " أي ظهر كف يسراه كما ذكره جمع ويتجه أنه للأكمل وأن أصل السنة يحصل بوضع اليمين 0 قيل لكنه يجعل بطنها على فيه عكس اليسرى " على فيه " سترا على فعله المذموم الجالب للكسل والنوم الذي هو من حبائل الشيطان 0 وفي معنى وضع اليد وضع نحو ثوب مما يرد التثاؤب فإن لم يندفع إلا باليد تعينت والأمر عام لكنه للمصلي آكد ، فالتقيد به في بعض روايات الصحيحين لذلك لا لإخراج غيره ، ولذا كره المصلي وضع يده على فيه إذا لم تكن حاجة كالتثاؤب ونحوه ، ثم علل النهي بقوله : " فإن الشيطان يدخل " جوفه إذا فتح فاه والمراد بالشيطان إبليس أو واحد يسمى خنزب كمنبر موكل بذلك أو الجنس " مع التثاؤب " يعني يتمكن منه في تلك الحالة ويغلب عليه أو يدخله حقيقة ليثقل عليه صلاته ليخرج منها أو يترك الشروع في غيرها بعدها ، وخص هذه الحالة لأن الفم إذا انفتح لشيء مكروه شرعا صار طريقا للشيطان والأول أقرب فإن الشيطان متمكن من جوف ابن آدم يجري منه مجرى الدم ، وورد أنه واضع خطمه على قلبه فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقمه وذلك الوسواس الخناس فالتارك لما أمر به من رد التثاؤب والإمساك بيده على فمه في حكم الغافل الناسي فيتمكن منه في هذه الحالة ) ( فيض القدير – 1 / 314 ، 315 ) 0
قال النووي – رحمه الله - : ( قال العلماء : أمر بكظم التثاؤب ورده ووضع اليد على الفم لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ، ودخوله فمه ، وضحكه منه 0 والله أعلم ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 16 ، 17 ، 18 / 415 ) 0
- إذا ركبت بعيرا فسم الله :
عن حمزة بن عمرو الأسلمي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( على ظهر كل بعير شيطان ، فإذا ركبتموها فسموا الله ثم لا تقصروا عن حاجاتكم ) ( صحيح الجامع 4031 ) 0
قال المناوي : ( قال في البحر : إن معناه أن الإبل خلقت من الجن وإذا كانت من جنس الجن جاز كونها هي من مراكبها والشيطان من الجن قال تعالى : ( إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ ) ( سورة الكهف – الآية 50 ) فهما من جنس واحد ويجوز كون الخبر بمعنى العز والفخر والكبر والعجب لأنها من أجل أموال العرب ومن كثرت عنده لم يؤمن عليه الإعجاب والعجب سبب الكبر وهو صفة الشيطان فالمعنى على ظهر كل بعير سبب يتولد منه الكبر ) ( فيض القدير - 4 / 322 ) 0
قلت : والواجب على المسلم أن يبدأ بالتسمية حال ركوبه البعير أو السيارة أو الطائرة أو الباخرة ونحوه لتواتر الأدلة على ذلك ، فقد ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله - عز وجل فهو أبتر أو قال أقطع ) ( قال الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – في تحقيقه للمسند " إسناده صحيح " ، وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع برقم 4217 ) ، ومع أن الحديث فيه كلام لبعض أهل العلم إلا أن معناه صحيح ، وهناك شواهد أخرى من السنة المطهرة تؤكد ذلك 0
قال علي القرني : ( قال النووي : تستحب التسمية في الأعمال ) ( الصحيح البرهان فيما يطرد الشيطان – ص 17 ) 0
ولا بد أن يعلم المسلم أن المحافظة على التسمية والذكر تجعله دائم الارتباط بخالقه سبحانه وتعالى 0
9)- لا تحدث بما يحصل بينك وبين أهلك :
عن أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عسى رجل يحدث بما يكون بينه وبين أهله ، أو عسى امرأة تحدث بما يكون بينها وبين زوجها ، فلا تفعلوا ، فإن مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانه في ظهر الطريق ، فغشيها والناس ينظرون ) ( صحيح الجامع 4008 ) 0
قال المناوي : ( " عسى رجل يحدث " الناس " بما يكون بينه وبين أهله " أي حليلته من أمر الجماع ومتعلقاته " أو عسى امرأة تحدث بما يكون بينها وبين زوجها " كذلك " فلا تفعلوا " أي يحرم عليكم ذلك وعلله بقوله : " فإن مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانه في ظهر الطريق " لفظ الظهر مقحم " فغشيها " أي جامعها " والناس ينظرون " إليها فهذا مثل هذا في القبح والتحريم والقصد بالحديث التحذير من ذلك وبيان أنه من أمهات المحرمات الدالة على الدناءة وسفاسف الأخلاق ) ( فيض القدير - 4 / 315 ) 0
10)- لا تترك للشيطان فرجة في صلاة الجماعة :
عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( راصوا الصفوف ، فإن الشيطان يقوم في الخلل ) ( صحيح الجامع 3454 ) 0
قال المناوي : ( " راصوا الصفوف " أي تلاصقوا وضاموا أكتافكم بعضها إلى بعض حتى لا يكون بينكم فرجة تسع واقفا أو يلج فيها مار " فإن الشيطان يقوم في الخلل " الذي بين الصفوف ليشوش صلاتكم ويقطعها عليكم 0 قال القاضي : والرص ضم الشيء إلى الشيء 0 قال الله تعالى : ( كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ) ( سورة الصف – الآية 4 ) ، فالتراص في الصفوف هو التداني والتقارب يقال رص البناء إذا ضم بعضه إلى بعض ) ( فيض القدير – 4 / 5 ) 0
11)- إذا رأيت رؤيا فلا تقصصها إلا على حبيب أو صاحب رأي :
عن أبي قتادة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الرؤيا الصالحة من الله ، والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأى رؤيا فكره منها شيئا فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره ولا يخبر بها أحدا 0 فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر بها إلا من يحب ) ( صحيح الجامع 3532 ) 0
قال ابن منظور : ( والرؤيا : ما رأيته في منامك – لسان العرب – 14 / 297 ) 0
قال المناوي : ( " الرؤيا الصالحة " وصفت بالصلاح لتحققها وظهورها على وفق المرئي " من الله والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأى رؤيا يكره منها شيئا فلينفث عن يساره ويتعوذ بالله من الشيطان فإنها لن تضره " جعل هذا سببا لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببا لدفع البلاء " ولا يخبر بها أحدا " لأنه ربما فسرها تفسيرا مكروها لظاهر صورتها وكان ذلك محتملا فوقعت كذلك بتقدير الله " فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر " بضم الياء وسكون الموحدة من البشارة وروي بفتح الياء وسكون النون من النشر وهو الإشاعة قال عياض وهو تصحيف " ولا يخبر بها إلا من يحب " لأنه لا يأمن ممن لا يحبه أن يعبره على غير وجهه حسدا وليغمه أو يكيده ( قَالَ يَا بُنَىَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ) ( سورة يوسف – الآية 5 ) ( تنبيه ) قال الغزالي : الرؤيا انكشاف لا يحصل إلا بانقشاع الغشاوة عن القلب فذلك لا يوثق إلا برؤيا الرجل الصالح الصادق ومن كثر كذبه لم تصدق رؤياه ومن كثر فساده ومعاصيه أظلم قلبه فكان ما يراه أضغاث أحلام ولهذا أمر بالطهارة عند النوم لينام طاهرا أو هو إشارة لطهارة الباطن أيضا فهو الأصل وطهارة الظاهر كالتتمة ) ( فيض القدير – 4 / 46 ) 0
قلت : وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث آنف الذكر بقوله : " فلا يخبر بها إلا من يحب " وذلك بسبب أن الرؤيا تقع كما تفسر من قبل الغير ، كما ثبت من حديث أبي رزين - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر ، فإذا عبرت وقعت ، ولا تقصها إلا على واد أو ذي رأي ) ( السلسلة الصحيحة 119 ، 120 ) ، والله تعالى أعلم 0
12)- لا تخلون بامرأة أجنبية لا تحل لك :
عن عامر بن عقبة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) ( صحيح الترمذي 934 ، 1758 ) 0
قال المباركفوري : ( " لا يخلون رجل بامرأة " أي أجنبية " إلا كان ثالثهما الشيطان " والمعنى يكون الشيطان معهما يهيج شهوة كل منهما حتى يلقيهما في الزنا ) ( تحفة الأحوذي - 6 / 320 ) 0
13)- عليك بالتأني واحذر من العجلة :
عن أنس - رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( التأني من الله ، والعجلة من الشيطان ) ( السلسلة الصحيحة 1795 ) 0
قال المناوي : ( " التأني " أي التثبت من الأمور " من الله والعجلة من الشيطان " قال ابن القيم : إنما كانت العجلة من الشيطان لأنها خفة وطيش وحدة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم وتوجب وضع الشيء في غير محله وتجلب الشرور وتمنع الخيور وهي متولدة بين خلقين مذمومين التفريط والاستعجال قبل الوقت قال الحرالي : والعجلة فعل الشيء قبيل وقته
الأليق به ) ( فيض القدير – 3 / 277 ، 278 ) 0
14)- لا تنس ذكر الله قبل الطعام :
عن حذيفة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه ، وأنه جاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده وجاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها ، فوالذي نفسي بيده إن يده في يدي مع أيديهما ) ( صحيح الجامع 1653 ) 0
قال شمس الحق العظيم أبادي : ( " إن الشيطان ليستحل الطعام " أي يتمكن من أكل ذلك الطعام 0 والمعنى أنه يتمكن من أكل الطعام إذا شرع فيه إنسان بغير ذكر الله تعالى 0 وأما إذا لم يشرع فيه أحد فلا يتمكن وإن كان جماعة ، فذكر اسم الله بعضهم دون بعض لم يتمكن منه ، قاله النووي " إن يده لفي يدي مع أيديهما " أي أن يد الشيطان مع يد الرجل والجارية في يدي ) ( عون المعبود - 10 / 172 ) 0
15)- اجعل لسانك رطبا بذكر الله والاستغفار :
عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان قال : وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الرب : وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ) ( صحيح الجامع 1650 ) 0
قال المناوي : ( " إن الشيطان " لفظ رواية أحمد إن إبليس بدل الشيطان " قال وعزتك " أي قوتك وشدتك " يا رب لا أبرح أغوي " أي لا أزال أضل " عبادك " الآدميين المكلفين يعني لأجتهدن في إغوائهم بأي طريق ممكن " ما دامت أرواحهم في أجسادهم " أي مدة دوامها فيها " فقال الرب وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني " أي طلبوا مني الغفران أي الستر لذنبهم مع الندم على ما كان منهم والإقلاع والخروج من المظالم والعزم على عدم العود إلى الاسترسال مع اللعن وظاهر الخبر أن غير المخلصين يرجون من الشيطان وليس آية ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ ) ( سورة ص – الآية 82 ، 83 ) ، ما يدل على اختصاص النجاة بهم كما وهم لأن قيد قوله تعالى ( مَنْ اتَّبَعَكَ ) ( سورة الحجر – الآية 42 ) ، أخرج العاصين المستغفرين إذ معناه ممن اتبعك واستمر على المتابعة ولم يرجع إلى الله ولم يستغفر ثم في إشعار الخبر توهين لكيد الشيطان ووعد كريم من الرحمن بالغفران قال حجة الإسلام لكن إياك أن تقول أن الله يغفر الذنوب للعصاة فأعصي وهو غني عن عملي فإن هذه كلمة حق أريد بها باطل وصاحبها ملقب بالحماقة بنص خبر : الأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، وقولك هذا يضاهي من يريد أن يكون فقيها في علوم الدين فاشتغل عنها بالبطالة وقال إنه تعالى قادر على أن يفيض على قلبي من العلوم ما فاضه على قلوب أنبيائه وأصفيائه بغير جهد وتعلم فمن قال ذلك ضحك عليه أرباب البصائر وكيف تطلب المعرفة من غير سعي لها والله يقول : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى ) ( سورة النجم – الآية 39 ) ، ( إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) " سورة الطور – الآية 16 ، وسورة التحريم – الآية 7 " ) ( فيض القدير - 2 / 351 ) 0
16)- إذا نمت فأطفأ السراج :
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا نمتم فأطفئوا سرجكم ، فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم ) ( صحيح الجامع 816 ) 0
ويعني - عليه الصلاة والسلام - في قوله ( فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم ) أي ( الفأرة ) ، كما ثبت من حديث عبدالله بن سرجس – رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا نمتم فأطفئوا المصباح ، فإن الفأرة تأخذ الفتيلة فتحرق أهل البيت ، وأغلقوا الأبواب ، وأوكؤا الأسقية ، وخمروا الشراب ) ( صحيح الجامع 815 ) 0
قال ابن منظور : ( وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : خمروا آنيتكم ، قال أبو عمرو : التخمير التغطية ، وفي رواية : خمروا الإناء وأوكوا السقاء - لسان العرب – 4 / 258 ) 0
قال المناوي : ( " إذا نمتم " أي أردتم النوم " فأطفئوا " أخمدوا وأسكتوا " المصباح " السراج " فإن الفأرة تأخذ الفتيلة " تجرها من السراج " فتحرق أهل البيت " أي المحل الذي به السراج ، وعبر بالبيت لأنه الغالب " وأغلقوا الأبواب " فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا " وأوكؤا الأسقية " اربطوا أفواه القرب " وخمروا الشراب " غطوا الماء وغيره من المائعات ولو بعرض عود ، قال ابن دقيق العيد كالنووي : وقضية العلة أن السراج لو لم تصل إليه الفأرة لا يكره بقاؤه وقد يجب الإطفاء لعارض 0 قال ابن حجر : وكذا لو كان على منارة من نحو نحاس أملس لا يمكن لفأرة صعودها ، لكن قد يتعلق به مفسدة أخرى غير جر الفتيلة كسقوط شرره على بعض متاع البيت ، فإن أمن زال المنع لزوال العلة : قال ابن دقيق العيد : وهذه الأوامر لا يحملها الأكثر على الوجوب ) ( فيض القدير - 1 / 449 ) 0
17)- لا تذهب إلى الأسواق إلا للحاجة :
عن سلمان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تكونن إن استطعت أول من تدخل السوق ، ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وفيها ينصب رايته ) ( أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " - 6 / 309 ، والهيثمي في " مجمع الزوائد " – 4 / 77 ، والهندي في " كنز العمال " - برقم ( 9334 ) ، والخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " - 12 / 426 ، وابن الجوزي في " العلل المتناهية " - 2 / 100 ، وابن القيسراني في " تذكرة الموضوعات " - برقم ( 975 ) - وقال الهيثمي عنه ، رجاله رجال الصحيح ) 0
18)- كفوا صبيانكم عند فوعة الشياطين ( وقت الغروب ) :
عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كفوا صبيانكم عند العشاء ، فإن للجن انتشارا وخطفة - قال صاحب عون المعبود : انتشارا وخطفة : أي سلبا سريعا - ) ( صحيح الجامع 4492 ) 0
قال المناوي : ( " كفوا صبيانكم " عن الانتشار " عند العشاء فإن للجن " حينئذ " انتشارا " أي تفرقا " وخطفة " أي استيلاء بسرعة ) ( فيض القدير – 5 / 8 ) 0
قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( قال ابن الجوزي : والحكمة في انتشارهم : أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار ، لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره ، وكذلك كل سواد ، ولهذا قال في حديث أبي ذر : ( فما يقطع الصلاة ؟ قال : الكلب الأسود شيطان ) أخرجه مسلم " صحيح الجامع 719 " ) ( صحيح الجامع 13 / 69 ) 0
19)- اقتصد ولا تكن من المسرفين :
عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فراش للرجل ، وفراش لامرأته ، والثالث للضيف ، والرابع للشيطان ) ( صحيح الجامع 4198 ) 0
قال النووي : ( قال العلماء : معناه أن ما زاد على الحاجة فاتخاذه إنما هو للمباهاة والاختيال والالتهاء بزينة الدنيا ، وما كان بهذه الصفة فهو مذموم ، وكل مذموم يضاف إلى الشيطان ، لأنه يرتضيه ، ويوسوس به ، ويحسنه ، ويساعد عليه 0 وقيل : أنه على ظاهره ، وأنه إذا كان لغير حاجة كان للشيطان عليه مبيت ومقيل ، كما أنه يحصل له المبيت بالبيت الذي لا يذكر الله تعالى صاحبه عند دخوله عشاء 0 وأما تعديد الفراش للزوج والزوجة فلا بأس به ، لأنه قد يحتاج كل واحد منهما إلى فراش عند المرض ونحوه وغير ذلك ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 250 ) 0
قال الخطابي : ( فيه دليل على أن المستحب في أدب السنة أن يبيت الرجل على فراش ، وزوجته على فراش آخر ، ولو كان المستحب لهما أن يبيتا معاً على فراش واحد لكان لا يرخص له في اتخاذه فراشين لنفسه ولزوجته ، وهو إنما يحسن له مذهب الاقتصاد والاقتصار على أقل ما تدعو إليه الحاجة والله أعلم ) ( نقلاً عن كتاب " مكائد الشيطان " – ص 34 ) 0
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن معنى الحديث فأجاب - حفظه الله - المعنى أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - يحذر من الإسراف واتخاذ أكثر من اللازم ولا سيما في زمن كزمن الرسول - عليه الصلاة والسلام - الناس يحتاجون فيه إلى الأموال التي يبذلونها في أمور أنفع وأهم ، وإنما نسبه إلى الشيطان لأنه من الإسراف ، وقد قال تعالى : ( وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) " سورة الأنعام – الآية 141 " ) ( لقاء الباب المفتوح ( 8 ) - الشيخ محمد بن صالح العثيمين - ص 22 - 23 )