2- أن الإنسان يأتي بانفعال شديد وغيظ وحنق وقوة واندفاع، فتجده يؤذي الناس إيذاء عظيما، حتى كأن الناس أمامه حشرات لا يبالي بهم، ولا يسأل عن ضعيفهم، وإنما يتقدم كأنه جمل هائج.
3- أن الإنسان لا يستحضر أنه يعبد الله عز وجل أو يتعبد لله عز وجل بهذا الرمي، ولذلك يعدل عن الذكر المشروع إلى قول غير مشروع، فتجده يقول حين يرمي: اللهم غضبا على الشيطان ورضى للرحمن. مع أن هذا ليس بمشروع عند رمي الجمرة، بل المشروع أن يكبر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
4- أنه بناء على هذه العقيدة الفاسدة تجده يأخذ أحجارا كبيرة يرمي بها، بناء على ظنه أنه كلما كان الحجر أكبر كان أشد أثرا وانتقاما من الشيطان. وتجده أيضا يرمي بالنعال والخشب وما أشبه ذلك مما لا يشرع الرمي به، ولقد شاهدت رجلا قبل بناء الجسور على الجمرات جالسا على زُبرة الحصى التي رمي بها في وسط الحوض، وامرأته معه؛ يضربان العمود بأحذيتهما، بحنق وشدة، وحصى الرامين تصيبهما، ومع ذلك فكأنهما يريان أن هذا في سبيل الله، وأنهما يصبران على هذا الأذى وعلى هذه الإصابة ابتغاء وجه الله عز وجل. إذن: إذا قلنا : إن هذا الاعتقاد اعتقاد فاسد، فما الذي نعتقده في رمي الجمرات؟ نعتقد في رمي الجمرات أننا نرمي الجمرات تعظيما لله عز وجل، وتعبدا له، واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الرابع: أن بعض الناس لا يتحقق من رمي الجمرة من حيث ترمى، فإن جمرة العقبة - كما هو معلوم في الأعوام السابقة - كان لها جدار من الخلف، والناس يأتون إليها من نحو هذا الجدار، فإذا شاهدوا الجدار رموا، ومعلوم أن الرمي لا بد أن تقع فيه الحصى في الحوض، فيرمونها من الناحية الشرقية من ناحية الجدار، ولا يقع الحصى في الحوض؛ لحيلولة الجدار بينهم وبين الحوض، ومن رمى هكذا فإن رميه لا يصح؛ لأن من شرط الرمي أن تقع الحصاة في الحوض، وإذا وقعت الحصاة في الحوض، فقد برئت بها الذمة، سواء بقيت في الحوض أو تدحرجت منه.
أما تحقـُّق وقوع الحصاة في المرمى فليس بشرط؛ لأنه يكفي أن يغلب على الظن أنها وقعت فيه، فإذا رمى الإنسان من المكان الصحيح وحذف الحصاة، وهو يغلب على ظنه أنها وقعت في المرمى كفى؛ لأن اليقين في هذه الحال قد يتعذر، وإذا تعذر اليقين عمل بغلبة الظن؛ ولأن الشارع أحال على غلبة الظن فيما إذا شك الإنسان في صلاته: كم صلى، ثلاثا أم أربعا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ليتحر الصواب ثم ليتم عليه . وهذا يدل على أن غلبة الظن في أمور العبادة كافية، وهذا من تيسير الله عز وجل؛ لأن اليقين أحيانا يتعذر.
الخامس: أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن تصيب الحصاة الشاخص؛ أي : العمود، وهذا ظن خطأ، فإنه لا يشترط لصحة الرمي أن تصيب الحصاة هذا العمود، فإن هذا العمود إنما جعل علامة على المرمى الذي تقع فيه الحصى، فإذا وقعت الحصاة في المرمى أجزأت سواء أصابت العمود أم لم تصبه.
السادس: وهو من الأخطاء العظيمة الفادحة، أن بعض الناس يتهاون في الرمي، فيوكل من يرمي عنه مع قدرته عليه، وهذا خطأ عظيم، وذلك لأن رمي الجمرات من شعائر الحج ومناسكه، وقد قال الله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله وهذا يشمل إتمام الحج بجميع شعائره؛ فيجب على الإنسان أن يقوم بها بنفسه، وألا يوكل فيها أحدا.
يقول بعض الناس: إن الزحام شديد، وإنه يشق علي. فنقول له : إذا كان الزحام شديدا أول ما يقدم الناس إلى منى من مزدلفة، فإنه لا يكون شديدا في آخر النهار، ولا يكون شديدا في الليل، وإذا فاتك الرمي في النهار فارم في الليل؛ لأن الليل وقت للرمي، وإن كان النهار أفضل، لكن كون الإنسان يأتي بالرمي في الليل بطمأنينة وهدوء وخشوع أفضل من كونه يأتي به في النهار، وهو ينازع الموت من الزحام والضيق والشدة، وربما يرمي ولا تقع الحصاة في المرمى، المهم أن من احتج بالزحام نقول له : إن الله قد وسع الأمر، فلك أن ترمي في الليل.
يقول بعض الناس: إن المرأة عورة ولا يمكنها أن تزاحم الرجال في الرمي. نقول له : إن المرأة ليست عورة، إنما العورة أن تكشف المرأة ما لا يحل لها كشفه أمام الرجال الأجانب، وأما شخصية المرأة فليست بعورة، وإلا لقلنا : إن المرأة لا يجوز لها أن تخرج من بيتها أبدا ، وهذا خلاف دلالة الكتاب والسنة، وخلاف ما أجمع عليه المسلمون، صحيح أن المرأة ضعيفة، وأن المرأة مرادة للرجل، وأن المرأة محط الفتنة، ولكن إذا كانت تخشى من شيء في الرمي مع الناس، فلتؤخر الرمي إلى الليل، ولهذا لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله - كَسَوْدة بنت زمعة وأشباهها - أن يَدَعُوا الرمي ويوكلوا من يرمي عنهم - لو كان من الأمور الجائزة - بل أذن لهم أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، ليرموا قبل حَطَمة الناس؛ وهذا أكبر دليل على أن المرأة لا توكل لكونها امرأة.
نعم لو فرض أن الإنسان عاجز ولا يمكنه الرمي بنفسه، لا في النهار ولا في الليل، فهنا يتوجه القول بجواز التوكيل؛ لأنه عاجز، وقد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يرمون عن صبيانهم، لعجز الصبيان عن الرمي، ولولا ورود هذا النص - وهو رمي الصحابة عن صغارهم - لقلنا : إن من عجز عن الرمي بنفسه فإنه يسقط عنه، إما إلى بدل وهو الفدية، وإما إلى غير بدل، وذلك لأن العجز عن الواجبات يسقطها، ولا يقوم غير المكلف بما يلزم المكلف فيها عند العجز، ولهذا من عجز عن أن يصلي قائما - مثلا - لا نقول له : وكِّل من يصلي عنك قائما.
على كل حال: التهاون في هذا الأمر - أعني : التوكيل في رمي الجمرات إلا من عذر لا يتمكن فيه الحاج من الرمي - خطأ كبير؛ لأنه تهاون في العبادة، وتخاذل عن القيام بالواجب.
السابع: أن بعض الناس يظنون أن الرمي بحصى من غير مزدلفة لا يجزئ، حتى إن بعضهم إذا أخذ الحصى من مزدلفة ثم ضاع منه أو ضاع منه بعضه وبقي ما لا يكفي ذهب يطلب غيره من مزدلفة.
وهذا خطأ وجهل، فإنه كما أسلفنا يجوز الرمي بكل حصاة من أي موضع كانت، حتى لو فرض أن الرجل وقف يرمي الجمرات وسقطت الجمرات من يده فله أن يأخذ من الأرض من تحت قدمه، سواء حصاه التي سقطت منه أم غيرها، ولا حرج عليه في ذلك؛ فيأخذ من الأرض التي تحته - وهو يرمي - ويرمي بها حتى وإن كان قريبا للحوض؛ لأنه لا دليل على أن الإنسان إذا رمى بها لا يجزئه الرمي، ولأنه لا يتيقن أن الحصاة التي أخذها من مكانه قد رمي بها، فقد تكون هذه الحصاة سقطت من شخص آخر وقف في هذا المكان، وقد تكون حصاة رمى بها شخص من بعيد ولم تقع في الحوض، المهم أنك لا تتيقن، ثم على فرض أنك تيقنت أن هذه قد رمي بها وتدحرجت من الحوض وخرجت منه، فإنه ليس هناك دليل على أن الحصى الذي رمي به لا يجزئ الرمي به مرة أخرى.
الثامن: أن بعض الناس يعكس الترتيب فيها في اليومين الحادي عشر والثاني عشر، فيبدأ بجمرة العقبة، ثم بالجمرة الوسطى، ثم بالجمرة الصغرى الأولى، وهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم رماها مرتبة، وقال: لتأخذوا عني مناسككم فيبدأ بالأولى، ثم الوسطى ثم جمرة العقبة.
فإن رماها منكسة، وأمكنه أن يتدارك ذلك فليتداركه؛ فإذا رمى العقبة ثم الوسطى ثم الأولى فإننا نقول: ارجع فارم الوسطى ثم العقبة، وذلك لأن الوسطى والعقبة وقعتا في غير موضعهما، لأن موضعهما تأخرهما عن الأولى، ففي هذه الحال نقول: اذهب فارم الوسطى ثم العقبة.
ولو أنه رمى الأولى ثم جمرة العقبة ثم الوسطى، قلنا له: ارجع فارم جمرة العقبة لأنك رميتها في غير موضعها فعليك أن تعيدها بعد الجمرة الوسطى.
هذا إذا أمكن أن يتلافى هذا الأمر، بأن كان في أيام التشريق، وسهل عليه تلافيه، أما لو قدر أنه انقضت أيام الحج، فإنه لا حرج عليه في هذه الحال؛ لأنه ترك الترتيب جاهلا، فسقط عنه بجهله، والرمي للجمرات الثلاث قد حصل، غاية ما فيه اختلاف الترتيب، واختلاف الترتيب عند الجهل لا يضر، لكن متى أمكن تلافيه بأن علم ذلك في وقته فإنه يعيده.
التاسع: أن بعض الناس يرميها قبل الزوال، وهذا خطأ كبير؛ لأن رميها قبل الزوال رمي لها قبل دخول وقتها فلا يصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمها إلا بعد زوال الشمس، وإنما رماها بعد الزوال وقبل صلاة الظهر، مما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يرتقب الزوال ارتقابا تاما، فبادر من حيث أن زالت الشمس قبل أن يصلي الظهر، ولقول عبد الله بن عمر: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا. ولأنه لو كان الرمي جائزا قبل زوال الشمس لفعله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أيسر للأمة، والله عز وجل إنما يشرع لعباده ما كان أيسر، فلو كان مما يتعبد به لله - أعني : الرمي قبل الزوال - لشرعه الله سبحانه وتعالى لعباده؛ لقوله تعالى: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر
فلما لم يشرع قبل الزوال علم أن ما قبل الزوال ليس وقتا للرمي، ولا فرق في ذلك بين اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، كلها سواء، كلها لم يرم فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد زوال الشمس.
فليحذر المؤمن من التهاون في أمور دينه، وليتق الله تعالى ربه، فإنه من اتقى ربه جعل له مخرجا، ومن اتقى ربه جعل له من أمره يسرا؛ قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم
وينبغي للإنسان- ونحن نتكلم عن وقت الرمي - أن يرمي كل يوم في يومه، فيرمي اليوم الحادي عشر في اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر في اليوم الثاني عشر، وجمرة العقبة يوم العيد في يوم العيد، ولا يؤخرها إلى آخر يوم، هذا وإن كان رخص فيه بعض أهل العلم، فإن ظاهر السنة المنع منه إلا لعذر.
العاشر: أن بعض الناس يرمي بحصى أقل مما ورد، فيرمي بثلاث أو أربع أو خمس، وهذا خلاف السنة؛ بل يجب عليه أن يرمي بسبع حصيات، كما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه رمى بسبع حصيات بدون نقص، لكن رخص بعض العلماء في نقص حصاة أو حصاتين لأن ذلك وقع من بعض الصحابة رضي الله عنهم، فإذا جاءنا رجل يقول : إنه لم يرم إلا بست ناسيا أو جاهلا، فإننا في هذه الحالة نعذره ونقول: لا شيء عليك، لورود مثل ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، وإلا فالأصل أن المشروع سبع حصيات، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحادي عشر: وهو سهل لكن ينبغي أن يتفطن له الحاج، أن كثيرا من الحجاج يهملون الوقوف للدعاء بعد رمي الجمرة الأولى والوسطى في أيام التشريق، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رمى الجمرة الأولى انحدر قليلا، ثم استقبل القبلة، فرفع يديه يدعو الله دعاء طويلا، وإذا رمى الجمرة الوسطى فعل كذلك، وإذا رمى جمرة العقبة انصرف ولم يقف، فينبغي للحاج ألا يفوت هذه السنة على نفسه، بل يقف ويدعو الله تعالى دعاء طويلا إن تيسر له، وإلا فبقدر ما تيسر، بعد الجمرة الأولى والوسطى.
الثاني عشر: أن بعض الناس يرمي رميا زائدا عن المشروع، إما في العدد، وإما في النوبات والمرات، فيرمي أكثر من سبع، ويرمي الجمرات في اليوم مرتين أو ثلاثا، وربما يرمي في غير وقت الحج، وهذا كله من الجهل والخطأ، والواجب على المرء أن يتعبد بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لينال بذلك محبة الله ومغفرته؛ لقول الله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم
الثالث عشر: أن بعض الناس يرمي الحصى جميعا بكف واحدة، وهذا خطأ فاحش، وقد قال أهل العلم : إنه إذا رمى بكف واحدة أكثر من حصاة لم يحتسب له سوى حصاة واحدة. فالواجب أن يرمي الحصى واحدة فواحدة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
أخطاء تقع في المبيت بمنى أيام التشريق أما الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج في المبيت بمنى أيام التشريق:
الأول: أن بعض الناس لا يبيتون بها ليلتي الحادي عشر والثاني عشر، بل يبيتون خارج منى من غير عذر، يريدون أن يترفهوا، وأن يشموا الهواء - كما يقولون - وهذا جهل وضلال، ومخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والإنسان الذي يريد أن يترفه لا يأتي للحج، فإن بقاءه في بلده أشد ترفها وأسلم من تكلف المشاق والنفقات.
الثاني: ومن الأشياء التي يخل بها بعض الحجاج في الإقامة بمنى؟ بل التي يخطئ فيها أن بعضهم لا يهتم بوجود مكان في منى، فتجده إذا دخل في الخطوط ووجد ما حول الخطوط ممتلئا قال : إنه ليس في منى مكان، ثم ذهب ونزل في خارج منى، والواجب عليه أن يبحث بحثا تاما فيما حول الخطوط وما كان داخلها، لعله يجد مكانا يمكث فيه في أيام منى؛ لأن البقاء في منى واجب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لتأخذوا عني مناسككم . وقد أقام صلى الله عليه وسلم في منى، ورخص للعباس بن عبد المطلب من أجل سقايته أن يبيت في مكة ليسقي الحجاج .
الثالث: أن بعض الناس إذا بحث ولم يجد مكانا في منى، نزل إلى مكة أو إلى العزيزية، وبقي هنالك، والواجب إذا لم يجد مكانا في منى أن ينزل عند أخر خيمة من خيام الحجاج ليبقى الحجيج كله في مكان واحد التي يقع فيها الحاج والمعتمر متصلا بعضه ببعض، كما نقول فيما لو امتلأ المسجد بالمصلين، فإنه يصلي مع الجماعة حيث تتصل الصفوف ولو كان خارج المسجد.
الرابع: وهو يسير لكن ينبغي المحافظة عليه، أن بعض الناس يبيت في منى ولكن إذا كان النهار نزل إلى مكة ليترفه في الظل الظليل والمكيفات والمبردات، ويسلم من حر الشمس ولفح الحر. وهذا وإن كان جائزا على مقتضى قواعد الفقهاء حيث قالوا : إنه لا يجب إلا المبيت، فإنه خلاف السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في منى ليالي وأياما، فكان صلى الله عليه وسلم يمكث في منى ليالي أيام التشريق وأيام التشريق. نعم لو كان الإنسان محتاجا إلى ذلك كما لو كان مريضا أو مرافقا لمريض فهذا لا بأس به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يبيتوا خارج منى، وأن يبقوا في الأيام في مراعيهم مع إبلهم .