| معجزات الأنبياء قبل القرآن
سوف نعيش مع سلسلة من المعجزات الإلهية منذ زمن سيدنا نوح عليه السلام وحتى زمن خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وكيف أن المعجزة تأتي في التوقيت المناسب. فالمؤمن يزداد إيماناً, والكافر عسى أن يرى من خلالها نور الحق والإيمان. |
ما هي المعجزة؟
المعجزة هي أرقى وأقوى وسيلة لإقناع الملحد بصدق الرسالة الإلهية. وهذه هي الطريقة التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى لأنبيائه عليهم السلام. فأيد كل رسول بمعجزة ليقيم الحجة على قومه ولتكون سنداً له وتثبيتاً في رحلة دعوته إلى الله تعالى. لذلك فانك تجد في كل عصر من العصور معجزة تناسب علوم ذلك العصر, أما معجزة القرآن فكانت هي المعجزة المناسبة لجميع العصور ولجميع الناس على اختلاف عقائدهم ولغاتهم.
المعجزة سلاح الأنبياء
منذ زمن سيدنا نوح عليه السلام وحتى يومنا هذا لغة الإلحاد واحدة, فالملحد يطلب باستمرار الدليل المادي والمباشر على وجود الله جل جلاله ويطلب البرهان الملموس على صدق الرسالة الإلهية.
لقد آتى الله عز وجل سيدنا نوحاً حجة وبلاغة في النقاش فكان يستخدم مخلوقات الله تعالى للدلالة على وجود الله, وقد استخدم الرقم سبعة كدليل على قدرة الله في خلق السماوات السبع, بأن ينظروا ويتفكروا في خلق هذه السماوات فقال لهم: (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً) [نوح: 15-16].
هذا النص الكريم مليء بالحقائق العلمية, فالقمر هو جسم بارد يعكس نور الشمس لذلك سماه الله تعالى (نوراً), فأما الشمس فهي جسم ملتهب ينتج الضوء والحرارة تماماً مثل السراج فسماها الله تعالى (سراجاً), ومع أن هذه الحقائق العلمية لم تكتشف إلا في عصرنا الحديث فإنها موجودة منذ زمن سيدنا نوح عليه السلام.
إذن استخدم سيدنا نوح عليه السلام معجزات كونية لإثبات صدق رسالته إلى قومه ولكن ماذا كان ردهم؟ بعد مناقشات طويلة قالوا له: (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا) [هود: 32]. لذلك فقد أغرقهم الله وأنجى نوحاً والذين آمنوا معه وهذه سنة الله في خلقه.
وتمر السنوات ويكثر الكفر والإلحاد ويأتي زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام حيث انتشرت عبادة الكواكب والأصنام. ويبدأ خليل الرحمن بالتفكر في هذا الكون وما فيه من كواكب, ليزداد يقيناً بالله تعالى. ويأتي البيان الإلهي متحدثاً عن هذا الرسول الكريم: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) [الأنعام: 75].
وتأمل معي قوله تعالى: (وليكون من الموقنين) والذي نرى فيه الدليل على أن رؤية ملكوت الله تزيد المؤمن يقيناً بالله عز وجل. لأننا لا نستطيع رؤية الخالق سبحانه ولكن هنالك ما يدل على وجوده وعظمته, فعظمة الخلق تدل على عظمة الخالق تبارك وتعالى.
لقد بين إبراهيم عليه السلام لقومه بأن هذه الكواكب التي يعبدونها ويسجدون لها من دون الله ليست آلهة لأنها تغيب, ولكن الله سبحانه وتعالى لا يغيب أبداً. وهذه الحجة آتاها الله لسيدنا إبراهيم ليقنع بها قومه: (وتلك حجتنا آتيناها لإبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء) [الأنعام: 83].
أما سيدنا صالح عليه السلام فقد آتاه الله معجزة الناقة لتكون شاهداً على صدق رسالته من الله تعالى. وقد سخر الله لسيدنا سليمان الجبال والرياح والشياطين وعلمه لغة الطير والنمل ومعجزات أخرى. ويأتي سيدنا المسيح عليه السلام ليؤيده الله بروح القدس ويؤتيه من المعجزات ما يحيي بها الموتى ويخلق من الطين كهيئة الطير فتكون طيراً بإذن الله ويشف الأكمة والأبرص ومعجزات أخرى كلها لتجعل الناس مؤمنين بصدق هذا الرسول الكريم, حتى طريقة خلق هذا النبي من غير أب فيها معجزة وكلامه في المهد فيه معجزة أيضاً.
وهكذا لكل نبي معجزة أو عدد من المعجزات, فكانت هذه المعجزات سلاحاً فعالاً في مواجهة الإلحاد والكفر, ولتثبيت الإيمان والاستمرار على الحق. ولكن كان على الدوام فريقان: فريق يؤمن بهذه المعجزة ويصدقها, وفريق يجحد بهذه المعجزة ويكذبها.
إذن المعجزة هي وسيلة فعالة جداً ذات أهداف متعددة:
1- لزيادة إيمان المؤمن ويقينه بالله عز وجل.
2- تثبيت المؤمن على الحق في مواجهة الإلحاد.
3- إقامة الحجة على كل من لا يؤمن بالله تعالى.
4- المعجزة هي أرقى وسيلة لإقناع الكافر بصدق رسالة الله تعالى. إذن المعجزة وسيلة وليست هي الهدف, وسيلة للوصول إلى مرضاة الله تعالى.
هذه الأهداف الأربعة سوف تتجلى في معجزة سيدنا موسى عليه السلام عندما أرسله الله تعالى إلى فرعون وملئه, ولكن ما هو العصر الذي بعث فيه سيدنا موسى وهل جاءت المعجزة مناسبة لذلك العصر؟
الإعجاز في عصر السحر
لقد ازداد طغيان فرعون كثيراً فأفسد في الأرض وجعل من نفسه إلها وعلا علواً كبيراً بغير الحق وملأ الأرض كفراً وإلحاداً وعناداً. وفي ظل هذه الظروف ماذا فعل له الله تعالى؟ لم يخسف به الأرض فجأة, ولم يدمره دون سابق إنذار, بل أرسل له رسولاً كريماً هو سيدنا موسى عليه السلام, ليهديه إلى صراط الله المستقيم عسى أن يؤمن ويعود إلى خالفه سبحانه وتعالى. وهذه هي رحمة الله بعباده, على الرغم من كفرهم وعصيانهم يرسل إليهم من يقنعهم بالعودة إلى الله تعالى.
ولكن فرعون أبى إلا الكفر وطلب من موسى الدليل والبرهان, فألقى موسى بعصاه فإذا هي ثعبان مبين, ماذا كان رد فعل فرعون على هذه المعجزة؟ إن عصر فرعون كان عصر السحر والسحرة لذلك وعلى الفور قال لموسى: (إن هذا لساحر عليم) [الشعراء: 34], وقام فرعون بجمع السحرة من كل بلد واجتمعوا في مشهد مهيب هم وفرعون وجنوده وقوته على جانب وعلى الجانب الآخر كان موسى وحيداً ولكن رب هؤلاء جميعاً كان معه!
ويلقي السحرة بحبالهم وعصيهم ويسحرون أعين الناس ويخيل للناس أن هذه الحبال قد تحولت إلى ثعابين تتحرك, وفي هذه اللحظة يأتي الأمر الإلهي لموسى عليه السلام بأن يلقي عصاه فإذا هي ثعبان حقيقي يلتهم حبال السحرة وعصيهم ويبطل سحرهم وإفكهم.
وتأتي اللحظة الحاسمة عندما يرى السحرة هذا الثعبان الحقيقي ليدركوا أنه ليس سحراً, فهم أخبر الناس بالسحر , ليدركوا أن هذا العمل لا يقدر عليه موسى بل هو من صنع رب موسى, ويدركوا أنهم إلى ربهم منقلبون فيسجدون لله أمام عظمة هذه المعجزة ويعلنون توبتهم وندمهم وإيمانهم ورجوعهم إلى الحق تعالى: (قالوا إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين) [الشعراء: 51].
هذه هي عظمة المعجزة وقوتها, في ثوان معدودة قلبت السحرة الذين هم أشد كفراً ونفاقاً وإلحاداً من قمة الطغيان إلى قمة الإيمان! فبعد أن كانوا أعداء لموسى عليه السلام أصبحوا مدافعين عن رسالته بل أصبحوا عباداً أوفياء لله تعالى يدعون إلى الله.
ومن عظمة هذه المعجزة أنها جاءت في التوقيت المناسب وتحدى بها موسى أناساً برعوا في السحر, فكانت من نوع سحرهم ليكون التحدي أبلغ, وهذا ما جعل السحرة يسارعون إلى الإيمان. ولو تحداهم بمعجزة أخرى لا يفهمونها لم يكن هنالك تأثير قوي يذكر.
ويمكن القول: إن المعجزة هي أقوى وسيلة هيأها الله تعالى لهداية البشر وإقامة الحجة عليهم بل وزيادة إيمانهم ورجوعهم إلى الله عز وجل في كل عصر من العصور.
هذه هي معجزة سيدنا موسى عليه السلام, وهذا هو تأثيرها في زمنها, ولكن السؤال ماذا بالنسبة لمعجزة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام؟ وما هو العصر الذي جاءت فيه هذه المعجزة؟ وكيف تحدت البشر في زمنها قبل ألف وأربع مئة سنة؟
آخر المعجزات
معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي آخر المعجزات، ولذلك فقد كانت قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة، وما الإعجاز العلمي والرقمي الذي نعيشه اليوم إلا امتداد لمعجزات الأنبياء، فالأنبياء رسالتهم واحدة ومنهجهم واحد وإلههم واحد.
لذلك ومن نعم الله علينا أننا نستطيع رؤية معجزة محمد صلى الله عليه وسلم في أي وقت نريد، وذلك من خلال قراءة مقالة في الإعجاز العلمي أو العددي أو الغيبي أو أي نوع من أنواع الإعجاز، وإذا كان أصحاب موسى هم وحدهم رأوا معجزاته، وإذا كان أصحاب عيسى هم وحدهم رأوا معجزاته المبهرة، فإننا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أكرمنا الله تعالى وهو الرحيم الكريم بأن أي واحد منا وفي أي مكان أو زمان يمكنه رؤية معجزات القرآن العظيم، فهل نحمد الله تعالى على هذه النعمة العظيمة؟!
يقول تعالى: (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون) [النمل: 93].